استطاع المصور النيوزيلندي تشارلز بروكس اختراق حدود التصوير التقليدي واكتشاف عوالم خفية لم يسبق للعين البشرية رؤيتها من قبل. اعتمد بروكس في مشروعه الرائد "الهندسة المعمارية في الموسيقى" على استخدام منظارات طبية عالية الدقة وكاميرات متطورة لدخول أعماق الآلات الموسيقية التاريخية، من بينها كمان ستراديفاريوس النادر المصنوع عام 1717.
تكشف الصور التي التقطها بروكس تفاصيل معمارية مذهلة داخل هذه الآلات، بحيث تتحول المساحات الضيقة – التي لا تتجاوز سنتيمترات معدودة – إلى قاعات ضخمة تشبه الكاتدرائيات أو المسارح أو حتى الأنفاق الصناعية. ولم يكتفِ المصور بنقل الجمال البصري فقط، بل ركز أيضًا على إبراز تفاصيل الصناعة اليدوية الدقيقة، مثل بصمات الأدوات وعلامات الإصلاحات التي شهدتها الآلات عبر القرون.
تمثل هذه الصور ثورة في عالم الفن البصري، إذ تم التقاط كل صورة بعد دمج مئات اللقطات الصغيرة باستخدام تقنية "تجميع البؤرة"، ما سمح بالحصول على وضوح مذهل وعمق تفاصيل لم يكن من الممكن تحقيقه بالوسائل التقليدية. واحتاج بروكس إلى ضبط الإضاءة بعناية فائقة للحفاظ على سلامة الآلات النادرة، حيث أن الحرارة الزائدة يمكن أن تلحق ضررًا كبيرًا بها.
تسهم هذه المبادرة في توثيق العبقرية الهندسية للصانعين التاريخيين، مثل ستراديفاري، وتبرز الروح الحية التي تحتفظ بها هذه الآلات رغم تعاقب الزمن. إنها رحلة بصرية تدخلنا إلى قلب الموسيقى، لتكشف لنا كيف تتكاتف العلوم والفن معًا لإبداع مشهد لم نكن نتخيله من قبل، وتمنحنا تقديرًا جديدًا لجماليات وأسرار العالم الموسيقي.