سجال الإسناد وتجدد الصوت: قصيدة «تعلّق قلبي طفلةً عربية»

أضيف بتاريخ 08/30/2025
منصة المَقالاتيّ

قصيدة «تعلّق قلبي طفلةً عربية» تمثل إحدى أكثر قصائد الغزل تداولًا في التراث العربي، وغالبًا ما تُنسب إلى الشاعر الجاهلي امرئ القيس بن حجر الكندي، المعروف بلقب "ملك الغزل" وصاحب المعلقة الشهيرة. إلا أن هذه النسبة تظل محل نقاش وجدال بين دارسي الأدب العربي؛ إذ أن عددًا من الباحثين يشككون في صحة إسناد الأبيات إليه، مستندين إلى اختلافات في لغتها وموضوعها عن الموروث المعروف لشعر امرئ القيس، بل ويعتبرها بعضهم نصًا أُلصق بالشاعر في مراحل لاحقة، ربما لمجرد شهرة الاسم وقوة حضوره في الثقافة الأدبية. ومع ذلك استقرت القصيدة في ذاكرة الأدب المنقول وأضحت من إشهر مقطوعات الغزل المنسوبة له، ترددها المجالس وتستحضرها الأعمال الفنية، حتى صارت جزءًا من صورته الرمزية كشاعر للغزل والوله


>

انتقال القصيدة من المجال الأدبي المكتوب إلى فضاء الغناء العربي، أكسبها طابعًا جديدًا، خاصة حين غناها كبار الفن في القرن العشرين. ومن أبرز من أعطاها هذا البعد الغنائي الفنان السعودي طلال مداح، الذي استلهم من رهافة النص القديم روحًا موسيقية عصرية تواكب الذوق المعاصر دون أن تبتر القصيدة عن جذورها التراثية. في أداء طلال مداح، تبدو «تعلق قلبي» تجربة وجدانية متكاملة؛ صوت عذب يتفاعل مع الكلمات ليخرجها من حدود النص الجامد إلى فضاء الطرب والإحساس المباشر، محفورًا في الذاكرة السمعية لأجيال متعددة. أعاد مداح بموهبته تجسيد القصيدة الجاهلية بحس موسيقي حديث، فصارت الجملة الشعرية تنبض بالحياة والحضور المعاصر، وجسّرت الأغنية بين متلقيين يفصل بينهم زمن طويل، لتبقى القصيدة نصًا متجدّدًا قابلاً لإعادة الاكتشاف في كل عصر.

هكذا ظلّت «تعلق قلبي طفلة عربية» نصًا مفتوح الجدوى: فهي تمثل من جهة جزءًا من تراث الغزل العربي وتثير من جهة أخرى أسئلة النقد والتحقيق حول حقيقة نسبها، وتمثل في الوقت ذاته نموذجًا حيًا على كيفيات انتقال الشعر من ديوان الموروث إلى مسرح الأداء، حيث يمنح الغناء النص الأدبي حياة ثانية، تلامس القلب مباشرة دون وسائط. وتجربة طلال مداح مع القصيدة مثال لافت على هذا التحوّل، إذ أضفى بجمال صوته وحضوره بعدًا جديدًا على إرث أدبي عريق.