لم تكن مقطوعة "النمر الوردي" التي ألّفها هنري مانشيني عام 1963 مجرد موسيقى افتتاحية لفيلم كوميدي، بل تحولت إلى علامة فارقة في تاريخ الموسيقى التصويرية. ما يميز هذا العمل أنه اعتمد على جملة موسيقية قصيرة وواضحة يؤديها الساكسفون بإيقاع جاز بطيء ومتماوج، يمنح المستمع إحساسًا بالمكر والمرح في آن واحد. هذا التوازن الدقيق بين البساطة والدهاء جعل اللحن يتجاوز دوره الأصلي كمرافقة درامية ليصبح هوية مستقلة ارتبطت في المخيلة الشعبية بشخصية النمر الوردي، رمز الدعابة الأنيقة والمكر الخفيف الظل.
الابتكار الذي جاء به مانشيني يكمن في أنه لم يعتمد على التعقيد الموسيقي أو التوزيع الضخم، بل على فكرة لحنية مميزة وقابلة للتذكر فور سماعها. من خلال الساكسفون والوتريات الخافتة والإيقاع الجازيلّي المتهادي، ابتكر موسيقى قادرة على خلق صورة ذهنية فورية لا تحتاج لرؤية الصورة على الشاشة. وهنا تتجلى القوة الفنية للموسيقى التصويرية عندما تتحول من خلفية للفيلم إلى عنصر من عناصر السرد الثقافي العالمي.
شهرة اللحن لم تظل محصورة في عشاق السينما أو موسيقى الجاز، بل خرجت إلى فضاءات أوسع: من الإعلانات التجارية إلى العروض التلفزيونية، ومن الأوركسترات السيمفونية إلى مدارس الموسيقى التي تتخذه نموذجًا لدراسة البنية البسيطة ذات الأثر الكبير. في كل هذه السياقات حافظت موسيقى النمر الوردي على رمزيتها المرتبطة بالذكاء الساخر والحركة الخفيفة، وكأنها قادرة على استدعاء أجواء المشهد الكوميدي بمجرد عزف بضع نغمات.
بالنظر إلى تاريخ الموسيقى التصويرية، يُمكن القول إن ما فعله مانشيني بعمله هذا يشبه صياغة لغة جديدة للتعريف بالشخصيات عبر الصوت، كما فعلت أعمال قليلة مثل "جيمس بوند" أو "حرب النجوم". لكنه تميز بخصوصية إضافية: الطابع المرح الممزوج بالأناقة، والذي منح شخصية كرتونية بسيطة عمقًا فنّيًا استمر لعقود. وهكذا غدت موسيقى "النمر الوردي" تتخطى حدود السينما، لتستقر في الذاكرة الجمعية بوصفها مرجعًا موسيقيًا للمرح الذكي والأسلوب الخفيف الواثق.